بينما أنت تتأمل العالم من حولك، قد تخطر على بالك عدة تساؤلات حول ما يثير تعجّبك، مما يولد أفكارا كثيرة يكون تحقيق أغلبها ضربا من المستحيل، فهل تبادر لذهنك يومًا رغبة التحليق بالسماء أو استكشاف ذلك العالم المرتفع؟
لن نقوم في هذا المقال بزيارة تلك الأرض التي لطالما بحثنا فيها كما العادة، بل سنحلق معًا بريشةٍ زرقاء قريبة بين أعشاش الطيور. لا تفزع إن داهمت أُذُنك أصوات النسور والغربان أو ربما البوم، فكما توجد أساطير عن المخلوقات الأرضية، عالم السماء أيضا لم يخلُ منها.
هناك الكثير من المعتقدات المتشابهة حول الطيور؛ إذ يظن البعض أنها أرواح الأموات، وبما أن الأموات ليسوا جميعا بنفس الخِصال -فهنالك الخيّر والشرير-، تم ربط بعضها بالخير، والآخر بالشر.
وقد تم وضع علم كامل يختص بتلك المعتقدات، وأطلق عليه اسم «علم التطيّر» وهو التنبؤ بملاحظة حركات الطيور، والتشاؤم بما هو مرئي، مسموع أو معلوم منها.
في الحقيقة أتت تسمية هذا العلم من معتقد جاهليّ، حيث أنه إذا أراد شخص القيام برحلة ما، يقوم بالتوجه لعش طائر ويهيّجه، فإذا طار يمينا، فإن كل شيء سيسير على ما يرام، بينما العكس إن اتجه شِمالا.
كما ظن آخرون أن الطير إذا دخل إلى منزل ما من النافذة وخرج منها فإنها تنذر بموت أحد سكان المنزل.
إن قمنا بترجمة هذه الخرافة حسب ما يتم تداوله عندنا، من الطبيعي أن نستذكر بعض الطيور دون غيرها، لأن كثرة استعمالها جعلتها تقفز لأذهاننا أولا، ومن المؤكد أن تكون البوم والغربان بأعلى القائمة.
إذ أن هنالك ارتباط وثيق بين هذين الطيرين والخرافات المحاكة، فمنذ قديم الزمان تم تصنيفهما في الأساطير ضِمن الكائنات التي ترمز لسوء الحظ.
بالرغم من تميز الغراب واعتباره من الطيور الذكية، إلا أن السمعة التي يمتلكها لا تجعله من الطيور المحببة؛ فقد كان رمزًا للشؤم في العديد من الثقافات، كما أنه يتمتع بصوت عالٍ غريب، يجعل من يسمعه ينزعج بشكل لا إرادي، وقد شاع اعتقاد أن نعيقه المزعج ذاك ماهو إلا صوت الأشخاص الذين قُتلوا ولم يدفنوا بشكل لائق.
ومن الخرافات الشهيرة في أوروبا عن الغربان: أنها طيور الشيطان، تهبط كل سنة إلى جهنم بينما يتساقط ريشها ليقوم الشيطان بالتقاطه. ويرى البعض أنه إذا وقف على سقف منزلٍ ما، سيجلب الموت أو سوء الحظ لأصحابه.
ربما خوف الناس منه يعود إلى كونه يأكل الجيفة والميتة، وبسبب هذه الطبيعة هناك دول تعتقد أن الغراب بإمكانه إيجاد الأرواح الميتة، بل ويحمل بداخله أرواح الملعونين، كما أن السحرة يركبون على ظهره.
وبالمناسبة فإن البوم لا يختلف عن الغراب في سمعته وشعبيته، فهو أيضًا يعتبر إحدى علامات الموت في الكثير من الثقافات؛ فقد كان يشاع دومًا أنه إذا حلم شخص ما ببومة، فذلك يدل على موت أحد.
ومن باب آخر كان لدى إحدى القبائل الأمريكية اعتقاد بكونه تجسُد لأرواح المحاربين القدامى.
لطائر البوم قدرة مذهلة على تحريك عنقه وتدويره بطريقة سلسة في جميع الاتجاهات، ومن هذه الحقيقة ولدت أسطورة أخرى في إنجلترا؛ إذ كان يُعتقد أنه إذا دار شخص ما حول شجرة تقف عليها بومة، فإنها ستتبعه بعينيها وتدور برأسها مرة بعد آخرى حتى ينقطع عنقها وتموت.
كما أنهم كانوا يتناولون بيضة البوم بعد طهيها حتى تصبح رمادًا، وقد اختلفت هذه الفكرة من جماعة لأخرى؛ فبعضهم قيل أنهم يقومون بأخذ ذلك الرماد ويشربونه، بينما هناك من قال أنهم يدمجونه مع خليط ما ثم يأكلونه.
وعلى عكس إنجلترا، كانت الهند تعتمد الطريقة المباشرة؛ حيث يتم أكل عيون البومة دون طهيها. هذه الطريقة وغيرها مما اتبعته العديد من البلدان، كانت طمعا في القدرة البصرية الاستثنائية التي تتمتع بها البومة؛ فبعض الشعوب يعتقدون أنه يمكنهم الحصول على البصر الحاد الذي يحظى به البوم أو حتى أقوى منه.
في الواقع لم تكن ميزة البصر هي الحقيقة الوحيدة التي تم تحويلها لخرافة؛ فالبوم من الكائنات ليلية المعيشة، تنشط أثناء المساء بينما تبقى خاملة طوال النهار وتسكن الآبار المهجورة وخرائب الدور؛ لهذا نسمع في تفسير طريف عند بعض الناس: أن السبب يكمن بظنها أنها أجمل المخلوقات، لهذا تتوارى نهارًا خشية من الإصابة بالعين!
بينما التفسير العلمي الحقيقي يكمن في كون البومة تعتمد على حاسة سمع شديدة أكثر من اعتمادها على الرؤية -رغم أنها تبصر- ولهذا لا عجب من أن تكون مخلوقا ليليا؛ فجميعنا نعرف الفرق الشاسع بين ضوضاء النهار والليل.
توجد الكثير من التعليلات التي تنفي هذه الخرافات سواء ما تم ذكره بالمقال أم لا؛ فأكثر الخرافات مبنية من حقائق أو بالأحرى طبيعة أجسامهم التي تم اعتبارها شيئا خارقا.
في الواقع، عندما أقرأ خرافات عن مخلوقات صغيرة جميلة ذنبها أنها فقط ولدت بميزة خاصة بها، أشعر بالحزن الشديد، لأنه ورغم أن الله ميزنا بالعقل عن جميع المخلوقات، إلا أننا كنا من اختلق تلك الأساطير غير المنطقية عنهم.
صوت بوم ينذر بالفراق، غراب يدل على موت، أحدهما يرى الأرواح بينما الآخر يسكنها، ولوج الطائر ثم خروجه من المنزل سوف يميت أحدًا، وحتى إن لم يدخل واستقر على السقف فما زال ذلك الشخص سيموت!
بيضة طائر لها سحر خاص، وريش آخر كنز للشيطان، إن ظهر بالصباح عكر لك مخططك، وإن تجول بالليل كان مصدر الشر أو ربما احتراسا من عين ما!
يا إلهي! فقط يا رباه، ما هذا؟ نحن فعلًا لا نترك شخصًا، حيوانًا، طائرًا، أو حتى جمادًا بحاله!
نذهب إلى الجميع لنأخذ جولة غامضة بين الحقائق والخفايا، وإن لم يكن هناك شيء يجب أن نقوله فسوف نخترع حتما. ألم تتم توصيتنا بالرفق والرحمة بالحيوانات؟
أنا حقًا لا أرى ذلك.
الحكايات تُروى بالعادة كي نخيف بها الأطفال لسبب ما، لقد بدأت من الجدات، لكن عندما كبرنا أدركنا الحقيقة، لا للاستمرار بتلك الأقاويل؛ فإن ترسخت هذه الاعتقادات فينا، لن نخطو للأمام إطلاقا، بل إنها ستسجننا في قفص صغير ولن نحلق خارجه مهما حاولنا، فخوفنا سوف يمنعنا.
كما وعلينا الانتباه من أي اعتقاد نسمعه، فبعضها قد تضرنا أكثر مما تنفعنا. فعلى سبيل المثال: يحرم التطير في الدين الإسلامي، فاحذر من الانقياد قبل أن تفتح عقلك خلف كلام بشري واهٍ لا أساس له من الصحة.
ويبقى السؤال، كيف بدأت الأساطير تُحاك حول الطيور؟
كتابة: اينفي راونين.
مراجعة: فاوانيا.
Comments