ما بين التطهير والتدنيس، حدودٌ لحربٍ أزلية بين النور والظلام.
تختلفُ أدواتُ القتالِ بينهما بمرور الزمن، حتى حان موعد رنةٍ رقيقة يظنها البعض صوتًا للملائكة.. وآخرون يعتقدون بأنه الشيطان.
لم يُكتب هذا المقال من قِبَلِ أناملٍ ملائكية كالعادة؛ فحدود هذه البوابة لا يتخطاها إلا من دخلها سابقًا.
نحنُ الآن عند الخط الفاصل ما بين عالمك الذي تعرفه، وعالمٌ آخر لا يجرؤ الكثيرون على دخوله.
بوابةُ حروب الملائكة والشياطين، تُرحب بكم.
توقف عندك! هل سمعت ذلك الصوت؟ انصت جيدًا، هل هو على يمينك؟ يسارك؟ لا! أين هو إذًا؟ مهلًا.. أليس ذاك هو؟ انصت إليه! اللعنة يا صديقي، أظن أنه داخل أذهاننا!
نعم.. تلك همسات خرافة أصوات الأجراس!
قديمًا، وتحديدًا في زمن القديس بولينوس أسقف نولا، أرادَ الناسُ أن يستشعروا وجود القوى الإلهية حولهم، فارتؤا استخدام طريقةٍ تألفها أرواحُ الكِبار والصغار، ألا وهي قرعُ الأجراس.
ومنذ ذلك الحين وُجِدَت الرابطة ما بين الكنيسة والأجراس، فباتت تُقرَعُ في الاحتفالات كأهم طقسِ فيها، وللتذكير في أداء الصلوات، وفي عشية ميلاد يسوع المسيح.
كان الكهنة يخشون على أنفسهم من خطف الشياطين والأرواح الشريرة لهم، فما كان بيدهم حيلة إلا ارتداء الأجراس مُعلقين إياها على أطراف ثيابهم. تُقرع بلطف أثناء سيرهم فتحدث جلبة تحميهم من بطش الشياطين، التي ما تلبث أن تسمعها حتى تولي هاربة. مع ذلك فإن إجراءات الحماية لم تقتصر على الأجراس فحسب، بل شملت أيضًا الطبول والمعادن، أو أي شيء يشابه بصوته الأجراس.
بالإضافة إلى هذا، فإن الأجراس كانت تُستخدم لمعالجة المرضى وشفائهم من الأمراض؛ يرجع ذلك لاعتقادهم بالقوة التضادية التي تحملها تلك الأصوات اتجاه الأرواح الشريرة وقدرتها على التطهير.
كذلك حينما يتوفى المرء، يتم قرع الأجراس لروح الشخص منذ بداية احتضاره؛ حتى لا تتلبسه الأرواح الشريرة.. تستمر الأجراس بالقرع إلى ما بعد دفنه بقليل، حيث أنها تُحَصِن الروح وتحميها حتى مثواها الأخير، ثم تتوقف عن القرع.
في الواقع لا أفهم كيف للروح ألّا تحيد عن طريقها إلى السماء بسبب وجود صوت جرسٍ برفقتها؟ ما هو سر الأجراس؟ ألها قدرةٌ ملائكية لتتمكن من فعل ذلك؟ أم أنها كيان آخر حي لا نعرف عنه شيئًا ومخدوعين بكونه مجرد آلة؟ عبارة عن موجات طاقية معينة توفر الحماية للأرواح؟
حسنًا ماذا لو كانت الروح المُغادرة إلى السماء شريرة؟ هل ستقوم الأجراس بحمايتها أيضًا؟ أم أنها ستحمينا نحن منها؟
مالذي يجعل شيطان مارد يهرب فقط لأنه سمع صوت جرسٍ يُقرَع؟ أين تكمن قوة الشياطين الحقيقية إن كانت تفر هاربة لرنةٍ ما؟ لِمَ قد نخاف من شيطانٍ ونتحصن منه إن كان يخشى صوت الأجراس؟
على أساس هذا المعتقد، فإنك حينما تشعر بوجود كيان ظلامي حولك لا داعٍ للهرب؛ فصوت جرس صغير سيحميك حتمًا!
تخيل معي لو كنت مريضًا -بعيد الشر يا قلبي- وجئت بجانبك وقرعتُ جرسًا، بالله عليك ألن تكسر ذلك الجرس على رأسي؟
لو كانت معدتك تؤلمك بسبب أكلك الكثير من الحلوى، ثم قرعتُ جرسًا قرب أذنيك، ألن تركلني خارج حياتك؟
يا صاح، يقضي الأطباء والأخصائيين في المختبرات والمعامل ساعات طويلة كي يخرجوا لنا بدواءٍ يُنهي أمراضنا، ثم يأتي أحدهم ويزعم أن شفاء المرضى يكمن برنة جرس! ما الذي فعله الأطباء بحياتهم لنجازيهم بهذا المقدار الفظيع من الجهل؟
على الجانب الآخر من هذه الآراء والمعتقدات، فإن قوى الشر أيضًا لجأت لاستخدام الأجراس لتُحقق غاياتها؛ فيجزم البعض أن كهنة الشيطان يستخدمون نوعين مختلفين من الأجراس كأحد الوسائل المستخدمة في طقوس استحضار قوى الظلام.
واو، هل غارت الشياطين الآن؟ هل اجتمع ابليس بشياطينه وقال: «شباب، لنكسر أنف الخير ونستغل الأجراس لصالحنا! لنغزو البشرية عن طريق الأجراس!» ما اللعنة يا ولد؟
أنا لم أفهم الآن، لو قرعتُ جرسًا في هذه اللحظة وكان بجانبي شيطان، هل سيعلق ولا يدري ما يفعل؟ يهرب؟ يقترب مني أكثر؟ أم أنه سيبكي من الضحك لتخلفي؟
لنناقش الأمر بمنطقية، جميعنا نعلم أن عقلنا ينقسم إلى قسمين:
الأول، العقل الواعي: وهو الذي تستعمله الآن كي تقرأ سطوري وتفكر بما كتبته. ويشكل قرابة 10% فقط من عقلك بأكمله.
الثاني، العقل اللاواعي أو ما يسمى بالعقل الباطن: وهو الذي تُخَزِن به معتقداتك وأفكارك المُترسخة بك والأمور التي تؤمن بها إيمانًا تامًا، وهو المُحرك الأساسي لك؛ لأنه هويتك الحقيقية. ويشكل قرابة 90% من عقلك بأكمله.
حينما تقتنعُ بأن جرسًا ما سيُشفيك من مرضك، فأنت بهذا قد جعلت عقلك الباطن يأمر عقلك الواعي بوجوب استماعك لصوت الجرس كي تُشفى. وحينما تسمعه وصادف أن شُفيتَ حقًا، فأنت بهذه الحالة قد سمحت لعقلك الباطن أن يأمر جهازك المناعي بمحاربة الداء الذي أُصَبت به، وبالتالي ستشفى حقًا، ليس بسبب الجرس! بل بسبب إيمانك به.
كذلك الحال بالنسبة لاستحضار الشياطين، حينما تؤمن أن جرسًا ما سيتمكن من دعوة شيطان للحضور، وقد رأيت كيانًا ما في صحوتك أو منامك، فأنت بهذه الحالة سمحت لعقلك الواعي أن يرى ما يريد عقلك الباطن أن يراه، بمعنى أخر.. أنت ترى ما تريد أن تراه.
ما لم أخبرك به، أن من ضمن أهم طقوس استحضار الشياطين هو شرب الخمر أو الانتشاء بالمخدرات. جميعنا نعلم ما تفعله المخدرات والكحول بوعي شاربها، صحيح؟ هل ما زلتَ تعتقد بأن الشيطان قد يترك عرشه في الجحيم ويجلس بجانبك فقط لأنك قرعت جرسًا في تجمعات مشبوهة؟
الآن، لو قمتُ بقرع جرسٍ وسمعته.. هل ستخاف؟ ستشعر بالأمان؟ أم لا شيء؟
-------
كتابة: ڤيكتوريا.
تحرير: أوكتان.
Comments