وإن قلنا أن للموت صوت وشكل فهل ستصدق؟ لن تُحس بوجوده لكنه سيداهمك فجأة على صورة صرخةٍ حادةٍ تفجر أذنيك وتأخذ روحك، تلك هي المدعوة بالبانشي، جنية التل.
قبل أي تفصيلٍ مثير للجدل دعونا أولا نقدم لمحة عنها، البانشي روح مؤنثة من الأساطير الأيرلندية تنذر عن وفاة أحدهم بنواحها وصراخها خلال تجولها بالمكان، معروفة برداءٍ يتراوح بين ثلاثة ألوان ثابتة، الأبيض، الرمادي والأسود ينسدل عليه شعرها الأشقر أو الأصهب أو الدموي. تمتلك هذه الروح هيبتها الخاصة فلا تفكر أبدا في اللحاق بها أو تعقبها فهي ستقتلك، لكنك ستكون محظوظا كفاية لترى وجهها بالشكل اليافع عندما تمر بالقرب لأنها قد تجعل نفسها عجوزا أو حتى ترتدي قناعا يُخفيها.
حذاري! لا تترك لها فرصة لمسك لأن لمستها مسمومة وقاتلة
كأي مخلوق خيالي هي تمتلك خاصياتٍ تُميزها أهمها الصرخة الحادة، حيث تُعتبر رمزا لها أكثر من كونها قُدرة خاصة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الصرخة قوية لدرجة أنها تقذف الجسم بعيدا بأميال وتمزقه، وأيضاً قد تُفجر ما حولها. حذاري! لا تترك لها فرصة لمسك لأن لمستها مسمومة وقاتلة؛ ورغم كل ما سبق قد تبدو عدائية ولكنها تُعبر عن حُبها عند اقتراب موت مُقرب بغناءٍ ناعم أو بكاءٍ خافت.
كلنا نعرف أن هناك العديد من الأراء في هذا الكون ومنها قد تولدت عدة أصناف للبانشي. أول واحد هو العادي أي أنها تتصف بما ذُكر سابقا أما الثاني فهو معروف باسم 'البانشي والعازف' والمقصود به أن للبانشي عازف خاص يرافقها دوما، مريب صحيح؟ أتخيل أنني سمعت عزف كمانٍ بالقرب مني فركضت نحو الصوت بسبب ولعي بالموسيقى ولكن ينتهي بي أستمع لمعزوفة موتي ثم أُقتل.
هناك أيضا البانشي المنتقمة وهي تختص بالنيل من الأشخاص الآثمين فإما تقتلهم أو تصيبهم بالجنون، لذلك إن اقترفت بعض الخطايا أيها القارئ فسارع إلى التواب قبل أن تصطادك هي. نأتي إلى آخر نوع والمعروف بالبانشي الفاتنة، جمالها شديد ومُهلك أي أنها غاوية بالدرجة الأولى فمن يضعف لها يموت، المظاهر خادعة فإن رأيت إمرأة فاتنة بالقرب غض بصرك وأكمل طريقك.
بكل تأكيد أنت خائف الآن وتتساءل عن كيفية القضاء عليها لذلك سأسرب لك بعضا من نقاط ضعفها لكن لا تشي بي لها. يُقال أن الحديد يضرها ويضعفها لذلك علينا أن نخفي قطعة حديد تحت قُمصاننا للإحتياط فإن اقتربت سنهشم رأسها، البشر مخيفون أيضا أيتها البانشي اسمعيهم يزأرون كالقطط المنزلية اللطيفة؛ أيضا هناك الملح فهو يصُد الشؤم وبما أنها رمز له فهو يقضي عليها.
نعلم أن البانشي عبارة عن روح لذلك قد تكون ذات أصل بشري فإن وجدت قبرها وحرقت عظامها فستموت.
هناك العديد من القصص حول البانشي ولكل ثقافة بصمة معينة في أسطورتها، فلو نظرنا إلى الأيرلنديين نجد تقليدا مميزا للنساء يتمثل في التمرن على نحيب الجنازات حتى يكون بجودة نحيب البانشي؛ كذلك كانت الأقاويل منتشرة عن سلالة أوبراين أنها تمثلك بانشي خاص بها والتي بدورها تحكم ٢٥ بانشي أخرى.
أما في لينستر يتم الإشارة للبانشي أنها كل إمرأة تقدر على تحطيم الزجاج بصوتها. في الفولكلور الاسكتلندي هناك امرأة تعرف بالغسالة الصغيرة حيث تظهر قرب النهر وتغسل الملابس أو الدروع الملطخة بالدماء لأولئك الذين هم على وشك الموت. وفي الفولكلور الويلزي تعرف باسم عجوز الضباب.
يمكن ملاحظة أن هناك عدة أصول لأسطورتها وسريعاً ما يبدأ البعض في إنسابها للحوادث التي تمتلك طابعا ظالما فمثلا بعض الأساطير تتكلم عن أحد الأشخاص من العائلات الغنية تزوج فلاحة وعندما جلب العار له أغرقها، لذلك استمرت بالظهور والنذيب كلما اقترب موعد وفاة أحدهم؛ وهناك قصة مشابهة عن طبال أغرقه أحد الأغنياء فأصبح يظهر ويطبل إشارة للموت.
ومن هنا بدأت تكثر النظريات حول البانشي وتتضارب الآراء لتقول بعضها أنها جنية أما البعض الآخر يراها تلبس شيطاني خبيث بعد أن كان ملاكا بالفردوس.
هناك وجهات نظر تُفيد بأنها روح مقتولة تبحث عن العدل ومن أغربها هي اعتبار البانشي ثعلبا لأن من طباع هذه الحيوانات العواء كلما مات أحدهم.
أما أنت عزيزي القارئ ما الذي تظنه؟ لكن احذر لا تقدم رأيا ظالما عنها فقد تنتقم منك.
كتابة: ريناد مراجعة: فيكتوريا
البانشي، أحد المخلوقات المُفضلة للعديد من الناس.. أنا أحدهُم 🙋🏻♀️🤍.
💙💙💙💙💙